مآساة البلدات المسيحية الحدودية الى تفاقم
رميش وعلما الشعب امراض وجوع وحصار خانق
بقلم
الصحافي/بيار عطالله
لم تعرف البلدات المسيحية في جنوب لبنان مآساة بحجم ما تتعرض له منذ بداية
الاعتداءات الاسرائيلية، من علما الشعب المجاورة للناقورة عند الساحل اللبناني الى
راشيا الفخار عند مرتفعات جبل الشيخ. شريط من المآسي يلف البلدات والقرى المسيحية
التي لم تكد تتعافى من الاحتلال الاسرائيلي حتى عادت من جديد الى دوامة النزاع،
بلدتان تختصران كل المآسي علما الشعب ورميش.
في علما الشعب البلدة التي عرفت الازدهار دائما بفضل نشاط ابنائها وانخراطهم جميعا
تقريبا في العمل مع قوة الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان، تحولت البيوت
المزدانة بالقرميد والمزينة بالورود والازهار الى هياكل فارغة بفعل القصف
الاسرائيلي، ولم يبقى من اهالي البلدة الا 120 مواطنا قرروا الصمود والموت في
بلدتهم على النزوح عنها وتركها سائبة.
مطلع الصيف تقاطر المصطافون من ابناء علما المقيمين في بيروت والخليج الى البلدة
وكانت البلدة في عرس استعدادا لأحياء عيد مار الياس شفيع البلدة عندما انهالت
القذائف مدمرة عشرات المنازل. وفي الحي الغربي من علما احترق 90 في المئة من
المنازل بسبب القنابل الفوسفورية والانشطارية التي دكتها. ونهار الاربعاء الفائت
احصى الاهالي المختبئين في اقبية المنازل ومداخل الابنية المرتفعة 500 قذيفة سقطت
على احياء البلدة .
حاول اهالي علما الخروج من بلدتهم لكن عبثا فالقصف المتبادل منعهم عن القيام بذلك
وحتى كنيسة مار الياس لم يحفظ المتقاتلون لها حرمة وسط جنون القذائف المنطلقة
والمتساقطة، والاهالي هناك يحملون "حزب الله" واسرائيل معا مسؤولية "جنون الموت
الذي دمر قرانا وبلداتنا" على ما قال احد السكان طالبا عدم ذكر اسمه. وحتى مساء
امس كان اهالي البلدة المقيمين في بيروت يجرون اتصالات مكثفة ويائسة مع القيادات
السياسية والروحية وخصوصا البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير طلبا لشفاعتهم
ووساطتهم من اجل تأمين بعض الطعام والادوية الى المحاصرين في علما الشعب، ولكن "ما
تندهي ما في حدا" . واكثر المآسي اثارة للحزن هي حاجة بعض الاطفال الى حليب خاص بعد
اصابتهم بفطر في لامعدة نتيجة شرب المياه الملوثة .
لا اطباء في علما ولا صيادلة ولا مسعفين و "طبيب البلدة الوحيد" هو ميلاد عيد الذي
يعمل مترجما لدى احد اطباء القوة الدولية العاملة في الجنوب والذي اخذ يسعف الجرحى
ويجري العمليات وينتزع الشظايا من المصابين والمآساة مضاعفة .
رميش
اما في رميش التي استضافت 20 الفا من ابناء البلدات الشيعية والمسيحية المجاورة
فالكارثة اكبر واشد هولا، وهي على حد وصف احد المسعفين في الصليب الاحمر اشبه
بأفلام الرعب، حيث انتشر الجرب والقمل بسبب الحشد الهائل من السكان الذي تعج به
المدرستان الرسميتان وقاعات الكنائس والاندية والارصفة والبيوت والتي ملء النازحون
كل زاوية فيها طلبا للامان، اعتقادا منهم ان رميش لن تتعرض للقصف الاسرائيلي علما
ان بنت جبيل تقع على بعد خطوات منها.
فرغت كل المخازن ومحلات البيع في رميش ولم يبقى فيها اي شيء للاكل، وحتى مخزون
البيوت في البلدة تقاسمه الاهالي مع ضيوفهم النازحين، لكنه اخذ ينفذ وخصوصا الطحين،
اما المياه الصحية فقد نفذت منذ زمن، ورغم وجود بئر ارتوازي في البلدة الا ان
الاهالي لا يستطيعون الحصول منه على المياه بسبب انقطاع التيار الكهربائي لذلك
توجهوا جميعا كبارا وصغار الى بركة المياه الراكدة عند ساحة البلدة والتي
يستعملونها عادة لري شتول التبغ، من اجل الحصول على المياه، وحتى زجاجات حليب
الاطفال يتم تحضيرها من مياه البركة الراكدة.
وفي اتصال مع مركز الصليب الاحمر اللبناني في البلدة افاد المسعفون ان كل ما لديهم
من مخزون لا يتجاوز الاسعافات الاولية "ومن يموت نقوم بتكفينه ونقله الى المدافن
في انتظار نقله الى بلدته لاحقا". مساء امس كانت الكارثة تقترب مع اشتداد القتال
في بنت جبيل المجاورة حيث نزح من تبقى من اهالي عين ابل والقوزح ودبل الى رميش
ليزداد عدد النازحين اضعافا. وما زاد في الطين بلة فقد اي بنية تحتية صحية او طبية
وكل ما توافر منها في رميش، طبيبان احدهما للقلب والاخر طبيب نسائي يقومان بعلاج
المرضى والجرحى والمصابين والاطفال جميعا بما تيسر. علما ان لا ادوية متوافرة بعدما
فرغت صيدلية البلدة الوحيدة منها، اضافة الى ما نقله اهالي عيتا الشعب الشيعية
المجاورة من ادوية من صيدلية بلدتهم.
قال مسعف الصليب الاحمر اللبناني : لم نرى شيئا مثل مآساة رميش لا في دير القمر ولا
غيرها،والاهالي يعجنون ما تبقى من طحين لديهم ويصنعون منه زلابية ويستمطرون
اللعنات على من تسبب بأشعال الحرب . وكتبت "وكالة الصحافة الفرنسية" امس :"تقول
امرأة نازحة الى رميش انها لا تعرف مصير والدها الذي خلفته تحت انقاض منزلهم في
يارون "بينما نحن نموت هنا يشب سمير القنطار الشاي في اسرائيل (...)".
28تموز 2006